احدث المواضيع

مقالات

تربية الأولاد وأسس تأهيلهم - 2 -

أسس تربية الولد

لذلك يرتكز إعداد الولد تربويًّا على أُسُسٍ يأتي في طليعتها تربيتُه عَقَدِيًّا، وتدريبه على معرفة خالقه والإيمانِ به، فإنَّ هذا الإيمانَ هو الدافعُ له إلى الخير والصارفُ له عن الشرِّ، فهو الموجِّهُ للسلوك والضابطُ له، وارتباطُه وثيقُ الصلة بالأعمال؛ ذلك لأنَّ الله تعالى جعل العملَ مِعْيَارًا حقيقيًّا لصِدق الإيمان، وذمَّ الذين يُجرِّدون العملَ عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ[آل عمران: ١٦٧]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣[الصفُّ]، فالإيمانُ الحقُّ هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليءٌ بالآيات التي تقرن الإيمانَ بالعمل الصالح، فكان من مَهَمَّة التربية الربطُ بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمانَ ويُظهره، فأَوْلى الأولويات في إعداد الولد ـ إذن ـ تعليمُه معانيَ العقيدة الصحيحة ومقاصدَها السامية، وإفهامُه لحقائقها وما تحمله من السعادة الأبدية له إفهامَ علمٍ وإدراكٍ، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا [التحريم: ٦]، ويدخل الولد في الآية لأنه بِضْعٌ من والدَيْه، فيعلِّمه الحلالَ والحرام ويجنِّبه المعاصيَ والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: «فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدِّينَ والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب»(١).

ومِن أُسُس تربية الولد وتأهيله: تعليمُه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشرِّ، وما يَلزمه من استعدادٍ فيها بالعمل بما يُسْعِدُ النفسَ وتركِ ما تَشْقَى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطريِّ بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عند ذِكره، فلا يَذِلُّ إلَّا لله، ولا يخاف إلَّا منه، ولا يتعلَّق قلبُه إلَّا به؛ فإنَّ في ذلك شعورًا بعزَّة المسلم؛ لأنه مَوْصُولٌ بالقويِّ العزيز، وتتميَّز شخصيتُه بهذه العِزَّة الدينية المطلوبة، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ[المنافقون: ٨]، وتتمرَّد عن أضدادها من ذلٍّ أو خُنُوعٍ، أو خوفٍ، أو تَمَلُّقٍ لأيِّ مخلوق، ومِن ثَمَّ وجب المحافظةُ على الفطرة السليمة التي عاهد اللهُ تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاقَ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفَّل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢ أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ١٧٣[الأعراف]، ويقول الله عزَّ وجلَّ في حديثٍ قدسيٍّ: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»(٢)، كما ينبغي دفعُ الطاقات الطبيعية التي أودعها اللهُ في الولد من غرائزَ ومُيُولٍ إلى الخير وإلى وجهتها التي خُلقت من أجلها لِيَسْمُوَ بها ويعتزَّ، ويتجنَّبَ بها الإخلاد إلى الأرض، والركونَ إلى الشهوات، والاستجابةَ للشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ[البقرة: ٢٦٨]»(٣)، والتربيةُ وسيلةُ إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهِه إليها، وعلى مَهَمَّة التربية والقيام بواجبها يترتَّب الجزاءُ الأخرويُّ، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ [النازعات]٤١.
..............................




(١) «تفسير القرطبي» (١٨/ ١٩٥ ـ ١٩٦).
(٢) أخرجه مسلم في «الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها»(٢٨٦٥)، وأحمد (١٧٤٨٤)، من حديث عياض بن حمارٍ المجاشعي رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في «تفسير القرآن»(٢٩٨٨)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «المشكاة»(٧٤) ـ التحقيق الثاني، وفي «هداية الرواة» (٧٠)، وفي «صحيح الموارد» (٣٨)، وفي «النصيحة» (٣٤).

--------------------------------- 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق