←الحلقة الخامسة عشرة→
● 《طلب أثرًا بعد عين》
◇ المثل:
«طَلَبَ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ»
◇ العَيْن: المعاينة.
◇ يُضرب:
لمن ترك شيئًا يراه ثمَّ تبع أثرَه بعد فوتِ عينِه، كأنَّ رجلًا تمكَّن مِن عدوِّه أو مِن صيدٍ ليرميَه، فتراخى عنه حتَّى فاته، ثمَّ شدَّ في طلبِه بعد الفوْتِ.
◇ قال الباهليُّ:
أوَّلُ من قال ذلك مالكُ بنُ عمرٍو العامليُّ، قال: وذلك أنَّ بعضَ ملوك غَسَّانَ كان يطلب في عاملَةَ ذَحْلًا، فأخذ منهم رجلين يقال لهما: مالكٌ وسِمَاكٌ ابنا عمرٍو، فاحتبسهما عنده زمانًا، ثمَّ دعاهما فقال لهما: «إنِّي قاتلٌ أحَدَكما فأيَّكما أقتل، فجعل كلُّ واحدٍ منهما يقول: «اقتلْني مكانَ أخي»، فلمَّا رأى ذلك قتل سماكًا وخلَّى سبيلَ مالكٍ، فقال سِماكٌ حين ظنَّ أنه مقتولٌ:
أَلَا مَنْ شَجَتْ لَيْلَةٌ عامدَهْ * كَمَا أَبَدًا لَيْلَةٌ وَاحِدَهْ
فَأَبْلِغْ قُضَاعَةَ إِنْ جِئْتَهُمْ * وَخُصَّ سَرَاةَ بَنِي سَاعِدَهْ
وَأَبْلِغْ نِزَارًا عَلَى نَأْيِهَا * بِأَنَّ الرِّمَاحَ هِيَ الْعَائِدَهْ
وَأُقْسِمُ لَوْ قَتَلُوا مَالِكًا * لَكُنْتُ لَهُمْ حَيَّةً رَاصِدَهْ
بِرَأْسِ سَبِيلٍ عَلَى مَرْقَبٍ * وَيَوْمًا عَلَى طُرُقٍ وَارِدَهْ
أَأُمَّ سِمَاكٍ فَلَا تَجْزَعِي * فَلِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الوَالِدَهْ
وانصرف مالكٌ إلى قومِه، فلبث فيهم زمانًا، ثمَّ إنَّ رَكْبًا مرُّوا وأحدُهم يتغنَّى بهذا البيت:
وَأُقْسِمُ لَوْ قَتَلُوا مَالِكًا * لَكُنْتُ لَهُمْ حَيَّةً رَاصِدَهْ
فسمعتْ بذلك أمُّ سماكٍ فقالتْ: يا مالكُ، قبَّح اللهُ الحياةَ بعد سماكٍ، اخْرُجْ في الطلبِ بأخيك، فخرج في الطلبِ، فلقي قاتِلَ أخيه يسيرُ في ناسٍ مِن قومه، فقال: «مَنْ أحسَّ لي الجملَ الأحمرَ»، فقالوا له وعرَّفوه: «يا مالكُ، لك مائةٌ مِنَ الإبلِ فكُفَّ»، فقال: «لَا أَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ»، فذهبت مثلًا، ثمَّ حمل على قاتلِ أخيه فقتله، وقال في ذلك:
يَا رَاكِبًا بَلِّغَنْ وَلَا تَدَعَنْ * بَنِي قُمَيْرٍ وَإِنْ هُمُ جَزِعُوا
فَلْيَجِدُوا مِثْلَ مَا وَجَدْتُ فَقَدْ * كُنْتُ حَزِينًا قَدْ مَسَّنِي وَجَعُ
لَا أَسْمَعُ اللَّهْوَ فِي الحَدِيثِ وَلَا * يَنْفَعُنِي فِي الفِرَاشِ مُضْطَجَعُ
لَا وَجْدُ ثَكْلَى كَمَا وَجَدْتُ وَلَا * وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ
[«مجمع الأمثال» للميداني (1/ 191)]
انتهى.
النقل من الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن علي فركوس -حفظه الله تعالى-