الــتوكــل
قال تعالى : {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وقال تعالى : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
_____________________________________________
تعريف التوكل
التوكل : وهو تفويض الأمور كلها إلى الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-، التوكيل هو التفويض، والتوكل على الله هو الإعتماد على الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى- فيما يريده العبد. ( شرح كتاب التوحيد الشيخ صالح الفوزان )
التوكل على الشيء الإعتماد عليه. والتوكل على الله تعالى: الإعتماد على الله تعالى كفاية وحسباً في جلب المنافع ودفع المضار وهو من تمام الإيمان وعلاماته . ( شرح الاصول الثلاثة الشيخ ابن عثيمين )
ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــــ
أنواع التوكل
الإمام ابن القيم رحمه الله
يقول رحمه الله في كتابه الفوائد :
"فائدة التوكل على الله نوعان:
توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية" أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية -فأنت تتوكل على الله في هذا–.
قال: "والثاني التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه - أي الله جل وعلا - من الإيمان واليقين والجهاد والدعوة إليه".
قال: "وبين النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا الله فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية.
ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضًا لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه فأعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاد أهل الباطل.
فقال: فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهم، يقول: والتوكل تارة يكون توكل اضطرارٍ وإلجاء, بحيث لا يجد العبد ملجأً ولا وزرًا إلا التوكل يعني يأرز إليه كما إذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن ألا ملجأ من الله إلا إليه, وهذا لا يتخلف عنه الفرج؛ لأنه توكل على الله ولم يلتفت إلى غيره فالله لن يخذله، قال: وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة, وتارة يكون توكل اختيار أي دون التجاء واضطرار وذلك التوكل مع وجود السبب المفضي إلى المراد فإن كان السبب مأمورًا به ذم على تركه وإن قام بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضًا فإنه واجب أي التوكل على الله جل وعلا مع فعل السبب فإنه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما وإن كان السبب محرمًا حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبقَ سبب سواه فإن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه, بل من أقوى الأسباب على الإطلاق.
وإن كان السبب مباحًا نظرت هل يضعف قيامك به بالتوكل أو لا يضعفه فإن أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه أولى وإن لم يضعف فمباشرته أولى لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته مهما أمكنك القيام بها ولاسيما إذا فعلته عبوديةً فتكونُ قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل وعبودية الجوارح بالسبب المنْوِيّ به القُربى والذي يُحقق التوكل القيام بالأسباب المأمور بها، فمن عطّلها لم يصح توكله كما أن القيام بالأسباب المفضية إلى حصول الخير يحقق رجاءه فمن لم يقم بها كان رجاؤه تمنيًا كما أن من عطّلها كان توكله عجزًا وعجزُه توكلًا".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
وأعلم أن التوكل أنواع:
الأول: التوكل على الله تعالى وهو من تمام الإيمان وعلامات صدقه وهو واجب لا يتم الإيمان إلا به وسبق دليله.
الثاني: توكل السر بأن يعتمد على ميت في جلب منفعة، أو دفع مضرة فهذا شرك أكبر ؛ لأنه لا يقع إلا ممن يعتقد أن لهذا الميت تصرفاً سرياً في الكون، ولا فر ق بين أن يكون نبياً، أو ولياً، أو طاغوتاً عدوا لله تعالى.
الثالث: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه الغير مع الشعور بعلو مرتبته وانحطاط مرتبة المتوكل عنه مثل أن يعتمد عليه في حصول المعاش ونحوه فهذا نوع من الشرك الأصغر لقوة تعلق القلب به والإعتماد عليه. أما لو أعتمد عليه على أنه سبب وأن الله تعالى هو الذي قدر ذلك على يده فإن ذلك لا بأس به، إذا كان للمتوكل بحيث ينيب غيره في أمر تجوز فيه النيابة فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع فقد قال يعقوب لبنيه{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [سورة يوسف، الآية: 87] ووكل النبي صلى الله عليه وسلم،على الصدفة عمالاً وحفاظاً، ووكل في إثبات الحدود وإقامتها، ووكل علي بن ابي طالب رضي الله عنه في هديه في حجة الوداع أن يتصدق بجلودها وجلالها، وأن ينحر ما بقى من المئة بعد أن نحر صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين. وأما الإجماع على جواز ذلك فمعلوم من حيث الجملة.
شرح الأصول الثلاثة
ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــــ
كيفية التوكل على الله
أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله على سؤال :
التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله والإيمان بأنه
مسبب الأسباب وأن قدره نافذ وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.
الثاني: تعاطي الأسباب فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل؛ لأن الله عز وجل أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب بل لا يكون متوكلا حقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح للعفة وحصول الولد وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس أنا لا أتزوج وانتظر الولد بدون زواج لعد من المجانين، وليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لو جلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات لم يكن ذلك مشروعا ولا توكلا بل يجب عليه أن يسعى في طلب الرزق ويعمل ويجتهد مع القدرة على ذلك ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ومن قال ذلك فقد غلط وقد قال الله لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فكلي واشربي[1] الآية، وهذا أمر لها بالأسباب وقد هزت النخلة وتعاطت الأسباب، حتى وقع الرطب فليس في سيرتها ترك الأسباب، أما وجود الرزق عندها وكون الله أكرمها به وأتاح لها بعض الأرزاق فلا يدل على أنها معطلة للأسباب بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب، وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئا من الكرامات فهذا من فضله سبحانه لكن لا يدل على تعطيلهم الأسباب فقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[2]، فشرع لعباده العبادة له والاستعانة به وكلتاهما من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، والآيات الدالة على ذلك كثيرة.
الثاني: تعاطي الأسباب فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل؛ لأن الله عز وجل أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب بل لا يكون متوكلا حقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح للعفة وحصول الولد وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس أنا لا أتزوج وانتظر الولد بدون زواج لعد من المجانين، وليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لو جلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات لم يكن ذلك مشروعا ولا توكلا بل يجب عليه أن يسعى في طلب الرزق ويعمل ويجتهد مع القدرة على ذلك ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ومن قال ذلك فقد غلط وقد قال الله لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فكلي واشربي[1] الآية، وهذا أمر لها بالأسباب وقد هزت النخلة وتعاطت الأسباب، حتى وقع الرطب فليس في سيرتها ترك الأسباب، أما وجود الرزق عندها وكون الله أكرمها به وأتاح لها بعض الأرزاق فلا يدل على أنها معطلة للأسباب بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب، وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئا من الكرامات فهذا من فضله سبحانه لكن لا يدل على تعطيلهم الأسباب فقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[2]، فشرع لعباده العبادة له والاستعانة به وكلتاهما من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، والآيات الدالة على ذلك كثيرة.
ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــــ
قال الامام السعدي رحمه الله
سأل سائل: كيف صورة التوكل وتوضيحه؛ فإني لا أكاد أتصور معناه فضلاً عن كوني متصفاً به؟
فأجيب: معلوم أن الحاجة والضرورة هي التي تدعو إلى التوكل، وأنت محتاج لإصلاح دينك في القيام بالواجبات وترك المنهيات، وإلى إصلاح دنياك في تحصيل الكفاية في المعاش، فإذا علمت أن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالعطاء والمنع وجلب المنافع ودفع المضار، وهو مع ذلك كامل الحكمة واسع الرحمة أرحم بك من نفسك ومن كل أحد، ومع ذلك أيضاً؛ فقد أمرك بالتوكل عليه، ووعدك بالكفاية؛ فمتى تحققت ذلك تحققاً قلبيًّا يقينيًّا؛ فقم بجد واجتهاد في امتثال الأمر واجتناب النهي بحسب مقدورك، وأنت في ذلك معتمدٌ غاية الاعتماد بقلبك على الله في حصول ما سعيت فيه وتكميله، وواثق به وطامع في فضله في تيسيره لك ما سعيت فيه، ومتبرىء من حولك وقوتك، عالم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنك وجميع الخلق أضعف وأعجز من أن تقوموا بأمر من الأمور بغير معونة الله وتيسيره؛ فمتى دمت على هذا العمل والاعتماد والتفويض وحسن الظن؛ فقد حققت مقام التوكل، وكذلك فاصنع في أمور معاشك، اعمل كل ما يناسبك من الأسباب النافعة متوكلاً على الله، راجياً لفضله، مطمئناً لكفايته، معتمداً عليه غاية الاعتماد، راضياً بما قدره ودبره لك من مُسرٍّ ومحزن، والتوكل على هذا الوجه نصف الإيمان، والله تعالى قد ضمن الكفاية للمتوكلين، ومما يقوي التوكل الدعاء بقلب حاضرٍ ورجاء قوي. والله أعلم.
من كتاب مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للشيخ السعدي رحمه الله
____ ❁--❁-----❁-- ❁ _____
فأجيب: معلوم أن الحاجة والضرورة هي التي تدعو إلى التوكل، وأنت محتاج لإصلاح دينك في القيام بالواجبات وترك المنهيات، وإلى إصلاح دنياك في تحصيل الكفاية في المعاش، فإذا علمت أن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالعطاء والمنع وجلب المنافع ودفع المضار، وهو مع ذلك كامل الحكمة واسع الرحمة أرحم بك من نفسك ومن كل أحد، ومع ذلك أيضاً؛ فقد أمرك بالتوكل عليه، ووعدك بالكفاية؛ فمتى تحققت ذلك تحققاً قلبيًّا يقينيًّا؛ فقم بجد واجتهاد في امتثال الأمر واجتناب النهي بحسب مقدورك، وأنت في ذلك معتمدٌ غاية الاعتماد بقلبك على الله في حصول ما سعيت فيه وتكميله، وواثق به وطامع في فضله في تيسيره لك ما سعيت فيه، ومتبرىء من حولك وقوتك، عالم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنك وجميع الخلق أضعف وأعجز من أن تقوموا بأمر من الأمور بغير معونة الله وتيسيره؛ فمتى دمت على هذا العمل والاعتماد والتفويض وحسن الظن؛ فقد حققت مقام التوكل، وكذلك فاصنع في أمور معاشك، اعمل كل ما يناسبك من الأسباب النافعة متوكلاً على الله، راجياً لفضله، مطمئناً لكفايته، معتمداً عليه غاية الاعتماد، راضياً بما قدره ودبره لك من مُسرٍّ ومحزن، والتوكل على هذا الوجه نصف الإيمان، والله تعالى قد ضمن الكفاية للمتوكلين، ومما يقوي التوكل الدعاء بقلب حاضرٍ ورجاء قوي. والله أعلم.
من كتاب مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للشيخ السعدي رحمه الله
____ ❁--❁-----❁-- ❁ _____
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق