احدث المواضيع

مقالات

تربية الأولاد وأسس تأهيلهم - 4 -

آثار الإخلال بتربية الولد

هذا، ويترتَّب على الوالدين أو مَن في كفالته الولدُ، حالَ الإخلال بواجبهما تجاهَ ولدهما أو التقصيرِ في تعليمه، نزعُ الولد مِن يدهما، ليتمَّ تسليمُه إلى رعايةٍ أُخرى مناسِبةٍ لتعليمه. وضِمن هذا المنظور يقول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «قال شيخنا ـ أي: شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليمَ الصبيِّ وأَمْرَه الذي أوجبه الله عليه؛ فهو عاصٍ ولا ولايةَ له عليه، بل كُلُّ مَنْ لَمْ يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له، بل إمَّا أن تُرفع يدُه عن الولاية ويقامَ من يفعل الواجبَ، وإمَّا أن يُضَمَّ إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود طاعةُ الله ورسوله بحَسَب الإمكان، قال شيخنا: وليس هذا الحقُّ من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، سواءٌ كان الوارث فاسقًا أو صالحًا، بل هذا من جنس الوِلاية التي لا بدَّ فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعلِه بحَسَب الإمكان»(٢٢).

خاتمة
تكوين الأجيال منوطٌ
بتربية الأولاد وحسن تأهيلهم

فهذه جوانبُ من تربية الولد وحُسن تأهيله قائمةٌ على عقيدة الإسلام التي جاء بها أفضل الأنام صلى الله عليه وسلم لتتمَّ تربيته بناءً على استعداداته الفطرية، وقدراته الطبيعية والنفسية التي أودعها الله فيه، وَفْقَ منهج الله وتربيته التي جعلت القرآنَ الكريم خُلُقَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعلى نظامه تتكوَّن أجيالٌ مهذَّبةٌ عزيزةٌ صادقةٌ، تتحمَّل مسؤوليتَها، وتؤدِّي واجبَها، وتسعى إلى تسخير قوَّاتها في الخير والفضيلة وتجنُّبِ الشرِّ والرذيلة، وتراقب الله في السرِّ والعلانية، وتعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، والظفر بالسعادتين: الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنٗا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَٰتُ ٱلۡعُلَىٰ ٧٥ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ ٧٦[طه].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣ ربيع الثاني ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ أفريل ٢٠٠٦م




---------------------------------


تربية الأولاد وأسس تأهيلهم - 3 -

من واجبات تأهيل الولد
وأساليب تكوين شخصيته

ومن واجبات تأهيل الولد وأساليب تكوين شخصيته: القدوةُ الحسنة والأسوة الصالحة التي يقتدي بها في مراحله الأولى من نموِّه العقليِّ والنفسيِّ والأخلاقيِّ، حيث تصقل معارفه، ويتلقَّى عِلْمَه عن طريق التقليد والاتِّباع، ويأتي في الدرجة الأولى أقربُ الناس إليه أبواه، فهما عنصرَا قدوته ومُثُلِه، فللأبوين تأثيرٌ عظيمٌ على ولدهما في أمور العقيدة والدين، حتى يصل تأثيرُهما فيه إلى تحويله عن الفطرة التي خَلَقه اللهُ عليها، وما يستلزمه من معرفة الإسلام ومحبَّته، فهما سبب صلاحه أو فساده، واستقامته أو اعوجاجه؛ لأنَّ الولدَ يعتقد عادةً بوالديه في سلوكه وتصرُّفاته، فإن كان سلوكهما معه على الطريق الشرعيِّ تأثَّر الولد بهما، وقلَّدهما فيما هما عليه، وكان ذلك من عوامل تكوين معاني شخصيته الإسلامية.
قال الشاعر:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ(٤) إذ الخير في المولود أصيلٌ، والشرُّ فيه عارضٌ، واستعداده للخير كاملٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثمَّ يقول أبو هريرة: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ الآيَةَ [الروم:٣٠](٥). وفي الحديث بيانُ أنَّ الناس يولدون على الفطرة وعلى الاستعداد الكامل للخير والصلاح، فكان تقريرًا لِخَلْقِ الله الكامل، وأنَّ النقص إنَّما يأتي من فعل الإنسان، فالواجبُ إبعادُ ما يُفسد نفسيةَ الطفل ويخرِّب عقليتَه وفطرتَه؛ لئلَّا يكون ضحيَّة تأثُّرٍ بانحرافٍ وضلالٍ وسوء أخلاقٍ. ومِن هذا المرمى يتجلَّى عِظَمُ مسئولية الأبوين إذا أخلَّا بتعليم ولدهما معانيَ الإسلام وأحكامَه، وقَصَّرَا في تربيتِه عقليًّا وروحيًّا، وتركاه تحت وطأة الأفكار المنحرفة، أو فريسةً لمجتمعٍ تشيع فيه العقائد اليهودية أو النصرانية أو المجوسية وغيرها من عقائد الكفر والضلال، فينحرف نتيجةَ تخلِّي الأبوين عن تربية ولدهما وانشغالهما عن توجيهه وإصلاحه، وهو بلا شكٍّ من أكبر العوامل المؤدِّية إلى ضياع الولد وفساد خُلُقه وانحلال شخصيته، فينشأ الولد نشأةَ اليتيم، ويعيش عيشةَ المشرَّد، الأمرُ الذي يفضي به إلى خطر الفساد والإجرام.
ورحم الله من قال
لَيْسَ اليَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ             هَمِّ الحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلًا
إِنَّ اليَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ                   أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولًا(٦)
ويزداد الولد سوءًا وعاقبته انحرافًا عن الجادَّة إذا كان والداه يعيشان حياةَ الإثم والإباحة، ويسلكان سبيلَ الغواية والانحلال، فهما يفتقران في ذاتهما إلى استعدادٍ لتربيته وإصلاحه لحاجتهما إلى إصلاح سلوكهما وسيرتهما، وينمو بذلك انحرافُ ولدهما ويتدرَّج بالتبع في الحرام والإجرام، وكما قيل: «متى يستقيم الظلُّ والعود أعوج؟
ولله دَرُّ من قال
وَلَيْسَ النَّبْتُ يَنْبُتُ فِي جِنَانٍ

كَمِثْلِ النَّبْتِ يَنْبُتُ فِي الفَلَاةِ
فَكَيْفَ نَظُنُّ بِالأَبْنَاءِ خَيْرًا

إِذَا نَشَئُوا بِحِضْنِ الجَاهِلَاتِ
وَهَلْ يُرْجَى لِأَطْفَالٍ كَمَالٌ

إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ(٧)
الأمر الذي يجعلهما مسؤولَيْن أمام الله تعالى؛ لأنَّهما أسهما في تحويل ولدهما من مقتضى فطرته إلى الانحراف والضلال، وتتأكَّد مسؤوليتهما بقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ...»(٨) الحديث.
ومن منطلق مسئولية الأبوين فإنَّها تتطلَّب تدريبَ الولد علميًّا، بتعليمه القرآنَ الكريم قراءةً وحفظًا لكونه أصلَ الإسلام ومرجعَ الدِّين، كما يُربَّى الولد على حفظ بعض الأحاديث والأدعية المأثورة التي تقال في مناسباتٍ متعدِّدةٍ عند النوم والاستيقاظ منه، وعند سماع الأذان، وعند البدء بتناول الطعام وعند الفراغ منه، وعند الخروج من البيت وعند دخوله(٩)، وعند العطاس، ونحو ذلك. كما يُستحسن توثيقُ صِلة الولد بالألفاظ الإسلامية ذات المعاني الشرعية ككلمة الإخلاص، والأسماء الحسنى، وبعضِ شعائر الإسلام ليتدرَّب عليها ويعلِّقَ قلبَه بمعانيها. ويُعلَّمُ فرائضَ الإسلام بقدر ما يناسب عَقْلَه، وعادةً يمكن البدءُ ـ بعد بلوغ الولد سنَّ سبع سنواتٍ ـ بغرس بذور الشخصية الإسلامية فيه وترويضه ـ بحسب اتِّساع مدارك الولد ـ على معاني هذه الشخصية بما يلائمه.
فمِن ذلك زرعُ الأبوين الأصولَ الخُلُقيةَ في نفس ولدهما كالتقوى والصدق والأخوَّة، والرحمة والصبر والإيثار والعفو، وإعدادُه على احترام الناس ومراعاة حقوقهم: كحقِّ الوالدين والأرحام والإمام والجار والمعلِّم والكبير والصاحب، مع بيانٍ للآداب العامَّة التي يلتزم بها الولد، مثل: أدب المجلس والحديث، والتهنئة والتعزية، والعطاس والتثاؤب، واللباس والتنعُّل، والسلام والاستئذان، والطعام والشراب، وعيادة المريض، ونحو ذلك
وبالمقابل ينبغي تحذيرُه من ظاهرة الكذب، والسِّباب، والشتائم، والسرقة، والتخنُّث، والتشبُّه بالكفَّار، والميوعة والانحلال، والاختلاط الآثم، واللواط والزنى، والأضرار الناجمة عنها جميعًا، وتحذيرُه ـ أيضًا ـ من ظاهرة التدخين والمسكرات والمخدِّرات، وغيرها من أنواع الفساد المتفشِّية في المجتمع، وتخويفُه من عواقب اقتراف المحارم وركوبها.
واختيارُ الرفقة الصالحة له ليكتسب منها الخُلُقَ الحسن والأدب الرفيع والعادة الفاضلة، مع مراقبته ـ خاصَّةً في سِنِّ التمييز والمراهقة ـ من الخلطة الفاسدة ورفاق السوء، ومصاحبةِ الأشرار، لئلَّا يكتسب منهم أقبحَ الأخلاق وأحطَّ العادات.
ومن واجبات تربية الولد: الرِّفقُ به وملاطفته ومعاملته باللِّين من غير شِدَّةٍ، لا سِيَّما من الوالدين أو مَن يقوم مقامَهما كالجَدِّ والعمِّ؛ لأنَّ الشِّدَّة في التربية لا تولِّد إلَّا شِدَّةً في السلوك، وقد صَحَّ عن البراء رضي الله عنه أنَّه قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»(١٠).
قال النووي: «وفيه ملاطفة الصبيان ورحمتُهم، ومماسَّتهم»(١١). والولدُ يحتاج من والديه أمرًا محسوسًا حتى يشعر بما يجول في قلبيهما من محبَّةٍ وعَطْفٍ ورحمةٍ، وقد يتجسَّد ذلك التحسيس في تقبيله وحمله ومداعبته، أو المسحِ على رأسه أو وجهه، أو وضعِه على أحضانهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ـ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا ـ فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»(١٢)، وقد صَحَّ ـ أيضًا ـ أَنَّه جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ(١٣)»(١٤). وتقريرًا لهذا المعنى فقد روى البخاريُّ عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا»(١٥).
ومن مظاهر تحسيس الولد بما في قلبَيْ والديه من عنايةٍ وشفقةٍ ومحبَّةٍ: مدحُه والثناء عليه إذا أحسن وقام بالمطلوب، وبالمقابل تنبيهُه إذا أساء أو أخطأ في أداء المطلوب، ثمَّ يعلِّمه العادةَ الصالحة والصفةَ الحسنة التي يفتقدها، وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوبَ التربويَّ في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلَامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»(١٦). ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ معاملة الوالدين لأولادهما بمحبَّةٍ ورحمةٍ تقتضي وجوبَ العدل بينهم، وعدمَ إيثار الأبناء على البنات وبخسِ الأنثى حقَّها في الرعاية والاهتمام والبِرِّ، فمثلُ هذا التفضيل معدودٌ من عادات الجاهلية، إذ المطلوب عدمُ التفريق بين الذكور والإناث، ولا بين الذكور أنفسهم أو تخصيصِ بعضهم، ولا بين الإناث، سواءٌ في العطف أو المعاملة أو المحبَّة أو العطيَّة أو غيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم للبشير ابن سعدٍ رضي الله عنه في شأن تخصيصه للعطيَّة لأحد أبنائه: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»(١٧).
ومن جهةٍ ثالثةٍ، فإنَّه قد يصدر عن الصغير عملٌ يُغضب والديه أو يزعجهما، فلا يجوز التشديدُ عليه ولا تعنيفُه ومجافاته لصغره ولعدم اكتمال قدرته العقلية، بل يُعَامَل بالرِّفق، فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ»(١٨)، وفي روايةٍ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ كُلَّهُ»(١٩)، فالأخذُ بأسلوب الرِّفق والمسامحة يجعل علاقةَ الولد بوالديه علاقةَ محبَّةٍ يشعر بها ويميل إليهما بسببها، ويسمع النصحَ والتوجيه، أمَّا العنف في الصغر فمدعاةٌ للعنف في الكِبَر، والقسوةُ على الولد في الصغر تحمله على جفاء والديه في الكبر، وليس معنى هذا ترْكَ التشديد عليه مطلقًا، وإنَّما يجوز أخذُه بالشِّدة إذا لم ينفع الرِّفقُ والملاطفة والنصح والتوجيه، ويكون بإظهار الغضب والعبوسِ في وجهه، وعدمِ الرِّضا على تصرُّفاته، ورفعِ الصوت عليه، والصدودِ عنه وهجرهِ، تلك هي مظاهر التشديد، وقد تصل إلى ضربه ضربًا غير مُبَرِّحٍ إذا بلغ عشر سنين، وقد جاء في الحديث: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ ـ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ـ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا ـ وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ ـ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ»(٢٠). ومعاملةُ الولد بهذه الصفة لتحسيسه بسوء أفعاله، أو لتقصيره في القيام بما هو مطلوبٌ منه.
هذا هو التدرُّج في تأديب الصغير في سِنِّ الطفولة. أمَّا الكبير فيختلف طريقُ إصلاحه وتأديبه، فإن كان أسلوبُ الإقناع والوعظ والإرشاد لا يجدي معه نفعًا لجأ الوالدان معه إلى الهجر ما دام بقي مُصِرًّا على غَيِّهِ وانحرافه وفجوره، فقد هجر ابن عمر رضي الله عنهما ابنًا له إلى أن مات لعدم انقياده لحديثٍ ذكره له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى فيه الرجالَ أن يمنعوا النساءَ من الذهاب إلى المساجد(٢١).
وهذا إذا لم يبلغ في ظلمه وغَيِّه حدَّ الكفر والإلحاد، فإن تجاوز بانحرافه هذه الدرجةَ فإنَّ من مستلزمات العقيدة والإيمان هجرانَه والإعراضَ عنه والتبرُّؤَ من عمله إلى أن يتوبَ ويرجع إلى الحقِّ، قال تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ٤٥ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡ‍َٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ٤٦[هود]، وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ ١٢٤[البقرة]، علمًا أنَّ هَجْرَ الوالدين لولدهما له تأثيرٌ بالغٌ على سلوكه وقوام سيرته لنفوذهما عليه.


(٤) من ديوان أبي العلاء المعرِّي من قصيدته الموسومة بعنوان: «قد اختلَّ بغير شكٍّ».

(٥) أخرجه البخاري في «الجنائز»(١٣٥٨)، ومسلم في «القدر» (٢٦٥٨)، وأحمد (٧٧١٢)، والبيهقي (١٢١٣٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) بتصرُّفٍ من ديوان أحمد شوقي في قصيدته التي قالها في حفلٍ أُقيم بنادي مدرسة المعلِّمين العليا الموسومة بعنوان: «العلم والتعليم وواجب المعلِّم».

(٧) بتصرُّفٍ من ديوان معروف الرصافي بعنوان: «التربية والأمَّهات».

(٨) أخرجه البخاري في «الأحكام»(٧١٣٨)، ومسلم في «الإمارة»(١٨٢٩)، وأبو داود في «الخراج»(٢٩٢٨)، والترمذي في «الجهاد»(١٧٠٥)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(٩) أمَّا حديث: «إذا ولج الرجل في بيته فليقل: اللهم إنِّي أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله وَلَجْنَا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكَّلنا، ثمَّ ليُسلِّم على أهله» فلا يصحُّ سَنَدًا، وقد حكم عليه ابن حجرٍ في «نتائج الأفكار» (١/ ١٧٢) بالغرابة، وضَعَّفه الألباني في «الضعيفة» (٥٨٣٢) وفي «الكلم الطيب» (٦٢). إلَّا أنَّه ثبت من رواية مسلمٍ برقم (٢٠١٨) في كتاب «الأشربة» من حديث جابر بنعبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ».

(١٠) أخرجه البخاري في «فضائل الصحابة»(٣٧٤٩)، ومسلم في «فضائل الصحابة»(٢٤٢٢)، والترمذي في «المناقب»(٣٧٨٣)، وأحمد (١٨٥٧٧)، والبيهقي (٢١٠٧٢)، من حديث البراء بنعازبٍ رضي الله عنه.

(١١) «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٥/ ١٩٤).

(١٢) أخرجه البخاري في «الأدب»(٥٩٩٧)، ومسلم في «الفضائل»(٢٣١٨)، وأبو داود في «الأدب»(٥٢١٨)، والترمذي في «البرِّ والصلة»(١٩١١)، وأحمد (٧١٢١)، والحميدي في «مسنده»(١١٥٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٣) معنى العبارة: أي: لا أملك، أي: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٤٣٠).

(١٤) أخرجه البخاري في «الأدب»(٥٩٩٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(١٥) أخرجه البخاري في «الأدب»(٦٠٠٣)، وأحمد (٢١٧٨٧)، من حديث أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما.

(١٦) أخرجه البخاري في «الأطعمة»(٥٣٧٦)، ومسلم في «الأشربة»(٢٠٢٢)، وأبو داود في «الأطعمة»(٣٧٧٧)، والترمذي في «الأطعمة»(١٨٥٧)، وابن ماجه في «الأطعمة»(٣٢٦٧)، وأحمد (١٦٣٣١)، من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما.

(١٧) أخرجه البخاري في «الهبة»(٢٥٨٧)، ومسلم في «الهبات»(١٦٢٣)، من حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما.

(١٨) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب»(٢٥٩٣)، والبيهقي في «الشهادات» (٢٠٧٩٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(١٩) أخرجه مسلم في «البرِّ والصلة والآداب»(٢٥٩٢)، وأبو داود في «الأدب»(٤٨٠٩)، وابن ماجه في «الأدب»(٣٦٨٧)، وأحمد (١٩٢٠٨)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

(٢٠) أخرجه أبو داود في «الصلاة»(٤٩٥)، والدارقطني (٨٨٧)، والبيهقي (٣٢٣٣)، من حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما. وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٣/ ٢٨٣)، والألباني في «إرواء الغليل» (٢٤٧)، وحسَّنه في «صحيح الجامع» (٥٨٦٨).
(٢١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٤٩٣٣)، من حديث مجاهدٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه الألباني في «غاية المرام» (ص ٢٣٤)

-----------------------------

تربية الأولاد وأسس تأهيلهم - 2 -

أسس تربية الولد

لذلك يرتكز إعداد الولد تربويًّا على أُسُسٍ يأتي في طليعتها تربيتُه عَقَدِيًّا، وتدريبه على معرفة خالقه والإيمانِ به، فإنَّ هذا الإيمانَ هو الدافعُ له إلى الخير والصارفُ له عن الشرِّ، فهو الموجِّهُ للسلوك والضابطُ له، وارتباطُه وثيقُ الصلة بالأعمال؛ ذلك لأنَّ الله تعالى جعل العملَ مِعْيَارًا حقيقيًّا لصِدق الإيمان، وذمَّ الذين يُجرِّدون العملَ عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ[آل عمران: ١٦٧]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣[الصفُّ]، فالإيمانُ الحقُّ هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليءٌ بالآيات التي تقرن الإيمانَ بالعمل الصالح، فكان من مَهَمَّة التربية الربطُ بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمانَ ويُظهره، فأَوْلى الأولويات في إعداد الولد ـ إذن ـ تعليمُه معانيَ العقيدة الصحيحة ومقاصدَها السامية، وإفهامُه لحقائقها وما تحمله من السعادة الأبدية له إفهامَ علمٍ وإدراكٍ، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا [التحريم: ٦]، ويدخل الولد في الآية لأنه بِضْعٌ من والدَيْه، فيعلِّمه الحلالَ والحرام ويجنِّبه المعاصيَ والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: «فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدِّينَ والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب»(١).

ومِن أُسُس تربية الولد وتأهيله: تعليمُه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشرِّ، وما يَلزمه من استعدادٍ فيها بالعمل بما يُسْعِدُ النفسَ وتركِ ما تَشْقَى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطريِّ بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عند ذِكره، فلا يَذِلُّ إلَّا لله، ولا يخاف إلَّا منه، ولا يتعلَّق قلبُه إلَّا به؛ فإنَّ في ذلك شعورًا بعزَّة المسلم؛ لأنه مَوْصُولٌ بالقويِّ العزيز، وتتميَّز شخصيتُه بهذه العِزَّة الدينية المطلوبة، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ[المنافقون: ٨]، وتتمرَّد عن أضدادها من ذلٍّ أو خُنُوعٍ، أو خوفٍ، أو تَمَلُّقٍ لأيِّ مخلوق، ومِن ثَمَّ وجب المحافظةُ على الفطرة السليمة التي عاهد اللهُ تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاقَ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفَّل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢ أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ١٧٣[الأعراف]، ويقول الله عزَّ وجلَّ في حديثٍ قدسيٍّ: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»(٢)، كما ينبغي دفعُ الطاقات الطبيعية التي أودعها اللهُ في الولد من غرائزَ ومُيُولٍ إلى الخير وإلى وجهتها التي خُلقت من أجلها لِيَسْمُوَ بها ويعتزَّ، ويتجنَّبَ بها الإخلاد إلى الأرض، والركونَ إلى الشهوات، والاستجابةَ للشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ[البقرة: ٢٦٨]»(٣)، والتربيةُ وسيلةُ إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهِه إليها، وعلى مَهَمَّة التربية والقيام بواجبها يترتَّب الجزاءُ الأخرويُّ، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ [النازعات]٤١.
..............................




(١) «تفسير القرطبي» (١٨/ ١٩٥ ـ ١٩٦).
(٢) أخرجه مسلم في «الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها»(٢٨٦٥)، وأحمد (١٧٤٨٤)، من حديث عياض بن حمارٍ المجاشعي رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في «تفسير القرآن»(٢٩٨٨)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «المشكاة»(٧٤) ـ التحقيق الثاني، وفي «هداية الرواة» (٧٠)، وفي «صحيح الموارد» (٣٨)، وفي «النصيحة» (٣٤).

--------------------------------- 


تربية الأولاد وأسس تأهيلهم - 1 -

تربية الأولاد وأسس تأهيلهم

قيام التربية الإسلامية على تحقيق التوازن
بين الجانب الروحي والمادي


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بع

فالتربية الإسلامية تقوم على تحقيق التوازن بين الجانب الروحيِّ والماديِّ، لكونها مبنيَّةً على الواقعَيْن للإنسان، وتنظيم حياته على أساسهما، فليس الإنسان مادِّيًّا إلى درجة الخلود في الأرض، والانغماس في الحياة السافلة، والركون إلى الملذَّات، بل له عالَمُه الروحيُّ الواسع المتعمِّق في كيانه، ومِن هذا الجانب تميَّزت التربيةُ الإسلامية عن النُّظُم التربوية الأخرى في إعْدَادِها للإنسان، لا للحياة الدنيا فحسب، بل للحياة الأبدية في الآخرة أيضًا

 الولد محور العملية التربوية:

ولَمَّا كان الوَلَدُ هو مِحْوَرَ العملية التربوية كان لِزَامًا أن تَتَشَكَّلَ حياتُه وذهنُه بالقالب الذي وُضِعَ له، وبمختلف المعارف والمفاهيم التي يُلَقَّنُها ويُزَوَّدُ بها، بحيث يُسيطر على ذهنه وأفكاره، فلا يجد في الحياة تصويرًا نظريًّا غير التصوير الذي أُريد له استعمالُه في ملاحظاته وتجاربه، بناءً على ما يُلَقَّنه أو يُمَرَّن عليه أو يُلْقَى إليه
ومعالِم شخصية الوَلَدِ تتكوَّن أصولُها وهو في دور الصِّغَر، أي: من بلوغه سِنَّ التمييز، لذلك كان واجبُ التربية تأهيلَه وتكييفَه وإعدادَه لمواجهة الحياة، وتَتِمُّ تَنْشِئَتُه مادِّيًّا بتغذيته ورعايته جسميًّا، وتنشئتُه روحيًّا بتزويده بما يزكِّي نفسَه ويَسْمُو بها، وتنشئتُه عقليًّا بتزويده بمختلف ضروب العلوم وأنواعِ المعارف، إذ لا يسلم العقلُ إلَّا بسلامة التنشئة، وتعويد الولد على الخير ونهيه عن الشرِّ وَفْقَ منهج الله وتربيته، فاستقامة الولد مَنُوطَةٌ بسلامة عقله، وانحرافه مَنوطٌ بفساد عقله، وصِحَّةُ العقل وفسادُه يرتبطان بصفة توجيهه، وخاصَّةً في حال الصغر ومرحلة الإعداد
 ...............................



----------------------------- 


عــلاج الهـــم

عــلاج الهـــم 

 ................

للشَّــيخ العلّامــة/
أحــمد بن يــحي النــجمــي  رحِــمُه الله

السُّـــــــؤَالُ:
مـا هــو عـلاج الهـم والوسوسة بالرغم أني أقرأ المعوذتين وآية الكرسي؟
 
الجَــــــوَابُ:

علاج الهم بأمور:-
 
 أولها وأهمها:
أن تعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
 
 ثانيا:
أن تعلمي أنك لا ترديه بالهم الذي تحملين به نفسك شيئا مما قدر الله فالقدر سيمشي في طريقه ولابد، لا يرده شيء من وجود الهم أو عدمه.
 
 ثالثا:
أن تقصدي إرضاء الله في نفسك وفي زوجك وفي أهلك وفي كل ما تملكينه.
 
 رابعا:
أن تعلمي وكل إنسان عاقل يعلم أن الظروف الصعبة لابد أن تؤثر في نفسية الإنسان لكن المؤمن يستعين على تخفيفها وتحمل وطئتها بالله رب العالمين.
 
 فيكون على اتصال بربه دائمًــا بالتضرع والإبتهال إلى الله أن يختار له ما فيه الصلاح والخير وأن يصرف عنه الشر وأسبابه.
 
خامسا:
يجب أن تعلمي أن الإبتلاءات والمصائب الدنيوية للمسلم فيها أجر عظيم إذا احتسبها وحمد الله عليها أُجِــر ، فقد جاء في الحديث الصحيح:
 
 عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شكَر وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَر وكان خيرًا له وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ .
 
 سادسا:
أدلّــكِ على دعاء الكرب:
« لا إلهَ إلا اللهُ الحليمُ العظيمُ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ الكريمِ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريمِ ».
 
 سَابعا:
ضعي يدك اليمنى على قلبك وقولي: 
« أعوذُ بعزَّةِ اللهِ وقدرتِه مِن شرِّ ما أجِدُ »
ثم ارفعيها ثم ضعيها مرة أخرى وقولي:
« أعوذُ بعزَّةِ اللهِ وقدرتِه مِن شرِّ ما أجِدُ »
 حتى تكملين سبع مرات.

وفي رواية أن من لديه شيء يؤلمه من جسده ينبغي أن يضع يده اليمنى على المكان الذي يؤلمه ويقول: « بسم الله » ثم يرفعها ثم يضعها مرة أخرى ويقول: « بسم الله » ثلاث مرات ثم يقول سبع مرات: « أعوذُ بعزَّةِ اللهِ وقدرتِه مِن شرِّ ما أجِدُ » كما سبق شرحه وبالله التوفيق .
 
 فتح الرب الودود في الفتاوى والرسائل والردود (2\404)

-------------------------------------------------

 

ســلسِلةُ شــَرحِ اﻷُصُولِ الثَّــﻻَثةِ ▫️العَـــ68ــدَدُ▫️

ســلسِلةُ شــَرحِ اﻷُصُولِ الثَّــﻻَثةِ
لمعالي شيخنا العﻻمة الدكتور /
صَالِح بنُ فَوزان الفَوزَان -حَـفظهُ الله-
        ▫️العَـــ68ــدَدُ▫️


--------------------------------------------------

 [ الرَّغْبَةُ والرَّهْـبَـةُ والخُشُوعُ ودَلِيلُ كُلٍّ ]

قَالَ اﻹِمَامُ المُجَدِّد : مُحَمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ وَغَفَرَ لَهُ :
[ وَدَلِيلُ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْخُشُوعِ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ ] .
--------------------------------------------------

قَالَ شَيْخُنَا غَفَـرَ اللَّهُ لَهُ وَأَحْسَـنَ إِلَيْهِ :

الرَّغْـبَـةُ : هي طَلَبُ الشيء المَحْمُـود .
الرَّهْـبَـةُ : هي الخَوْفُ من الشَّيْءِ المَـرْهُـوب ،قال تعالىٰ :﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ وهي نوع من الخوف ، الرهبة والخوف بمعنى واحد .

الخُـشُوع : نوع من التَّذَلُّل لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، والخُضُوع والذُّل بين يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ، وهو مِنْ أعْـظَـمِ مَـقَـامَاتِ العِــبَادَة .

قوله تعالىٰ :﴿ إِنَّهُمْ ﴾ الضَّمِيرُ يَرْجِع للأنبياء ؛ لأنَّ سُورَةَ الأنبياء ، قد ذَكَـرَ اللَّهُ قصَص الأنبياء فيها ، ثُمَّ قال :﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ فقوله تعالىٰ :﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ أي : يَتَسَابَقُونَ إليها ، ويُبَادِرونَ إليها ، هذه صِفَةُ الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ ، لا يَتَكَاسَلُونَ ولا يَتَعَاجَزُونَ ،
وإنما يُسَارِعُونَ إلىٰ فِعْلِ الخَيَرات ،
ويتسابقون إليها .

قوله تعالىٰ :﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا ﴾ أي :
طَمَعًا لِـمَـا عند اللَّهِ عَزَّ وَجَل ،
طَمَعًا في حُصُولِ المَـطْـلُـوب .
قوله تعالىٰ :﴿ وَرَهَبًا ﴾ أي : خوفًا مِنَّا ، فَيَدْعُونَ اللَّهَ أنْ يَرْحَمَهُم ، ويَدْعُونَهُ ألَّا يُعَذِّبَهُم ، وألَّا يُؤَاخِذَهُم ، وألَّا يُعَاقِبَهُم ، فهم يَطْمَعُونَ في رَحْـمَـةِ اللَّهِ ويَخَافُونَ مِنْ عَذابه ، كما قال تعالىٰ :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ

فهم يَدْعُونَ اللَّهَ خَوْفًا مِنُْه ، ويَدْعُونَهُ أيضًا طَمَعًا فيما عِـنْـدَهُ ، يَدْعُونَ اللَّهَ أنْ يقدر لهم الخَيْرَ ، ويدفع عنهم الشَرَّ .

﴿ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
أي : خَاضِعينَ
مُتَذَلِّلِينَ مُتَواضِعِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَجَمَعُوا بين الصِّفَاتِ الثَّلاث : الرَّغْبَة والرَّهْبَة والخُشُوع ، هذه صفات الأنبياء صَلَّىٰ اللَّهُ عليهم وسلَّم ، وهذه الأنواع الثلاثة مِنْ أنواع العِـبَادَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

وفيها رَدٌّ علىٰ الصُّوفِيَّة الَّذِينَ يقولون :
نَحْنُ لا نَـعْـبُـدُ اللَّهَ رَغْـبَـةً في ثَوَابِهِ ، ولا خَوْفًا مِنْ عِـقَـابِهِ ، وإنَّما نَـعْـبُـدُهُ مَحْـبَّـةً لَـهُ فَقَط ، هَـذَا كَـلَامٌ بَـاطِـلٌ ؛ لأنَّ الأنْبِـيَاءَ يَدْعُـونَ اللَّهَ رَغَـبًا وَرَهَـبًا ، وَهُمْ أَكْـمَـل الخَـلْـق ، - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَـلَيْـهِم - .
ــــــــــــ 
صــفْـــحَـــــة :[ ١٤٠ - ١٤٢ ]

  نَكْتفِي بهذا القَدْرِ وَنُكْمِلُ في العَدَدِ القادِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ 

          ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــــ 
 ما فاتكم تجدونه في :
[المدونة]


أو عبر :[التلغرام]
  •┈┈•◈◉✹❒❒✹◉◈•┈┈•

العجب كل العجب

العجب كل العجب


قال العلامة ﷴ الأمين الشنقيطي رحمه الله:

«والعجب كل العجب أن المرأة إذا ضُلِّلت وسُفِّه عقلها بالشعارات الزائفة والفلسفات المضلة باسم: التقدم، والحضارة، والتمدن، وأنها ليست بدجاجة، ولا مجرمة محبوسة في البيت!

ليُضَيَّع شرفها وتُعَرض للرذائل وضياع الشرف وسخط رب العالمين، فهي مع هذا تحاول أن تترجل، وأن تكون كالرجل في كل شيء!

ولو كشفت ثيابها وكشف الرجل ثيابه لعُلم أن هنالك مغايرة محسوسة طبيعية لا يمكن الإفرنج ولا أذناب الإفرنج أن يكسروها ولا يحطموها؛ لأنه قَدَرُ خَالِقِ السَّمَاوات والأرْضِ وأفعال رب العالمين لا يمكن أن تُكْسَر، ومع هذا فالمؤسف كل المؤسف أن الرجال يَتَأَنَّثُون وينماعون، ويترك الواحد حرمه -امرأته وبناته- ذاهبة في هذه التيارات المخزية الكافرة الفاجرة الملحدة!! ووالله لقد صدق المتأخر في قوله:

وَمَا عَجَبٌ أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجّلَتْ
وَلَكِنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عُجَابُ

فالعجب كل العجب أين ضاعت رجولة الرجال، وغيرة الرجال، وضمائر الرجال، أين ضاع هذا وتلاشى وانماع؟!

فالرجل إذا كانت حرمه تخرج مائدة لأعين الفجرة، متجرِّدة من الدين والشرف وأخلاق الإسلام على فلسفات كاذبة خسيسة ملعونة جاء بها الإفرنج، كلها شعارات زائفة كاذبة: تمدن، حضارة، تقدم؛ ليضيع الشرف!

ومعلوم عند الناس أن كل البلاد الإسلامية التي كانت متمسكة غاية التمسك، ورجالها فيهم غيرة على بناتهم، لما دخل عليها هذا التيار، وجاءتها هذه الشعارات: تمدن، حضارة، تقدم، أن نساءهم - والعياذ بالله - صاروا فيما لا يُعَبَّر عنه، ولا يحتاج أحد أن يُنَوِّه عنه لشهرته مِنَ المجُون والفِسْق، وضياع الشرف والفضيلة، وانعدام الحياء رأسًا!

والمرْأة إذا ضاع شرفها وفضيلتها فبطن الأرض خيرٌ لها مِنْ ظَهْرِهَا.

ومعلوم أن الله تبارك وتعالى فَرَّقَ بَيْنَ الذَّكَرِ والأنْثَى جِبلَّةً وكونًا وقدرًا وشرعًا، فمن يقول:

إن المرأة كالرجل في جميع الميادين، وأنها تزايل ما يزايله الرجل فهو مجنون كاذب مغلوب!

لأنه يعاند القدر، ومن أراد أن يعاند قدر الله فهو المغلوب، مع أن المرأة التي يقولون: إنها كالرجل في جميع الميادين بطبيعة حالها تمر عليها أوقات وهي لا تقدر على عمل، فهي في أوقات الحمل إذا صارت لها ستة أشهر ونحوها فإنها يُثْقِلها الحمل، ولا تقدر على فعل شيء وفي بطنها إنسان، فأين هذه من الذكر؟!

الذكر لا يمكن أن يكون في بطنه إنسان، ولا يعجزه هذا الإنسان الذي في جوفه عن العمل، فأين الاتحاد، وأين المماثلة؟!

وكذلك إذا نُفِسَت فإن النفاس يمرضها ويضعفها، والرجل لا يُنفس، فأين هذه المساواة، وأين هذا من هذا؟!

فهذه فوارق قدرية كونية، تترتب عليها فوارق شرعية وحسِّية، وهذا من المعلوم».

[العذب النمير من مجالس التفسير (٤٠١/٤)]
--------------------------------------------

 

لا تترك بنتك فلذة كبدك

أيها الأب المسلم الشهم لا تترك بنتك فلذة كبدك مائدة سبيلا تتمتع بجمالها كل عين فاجرة

أيها الأب الكريم المؤمن العربي الشهم بأيِّ مسوِّغ من عقل أو دين أو مروءة أو إنسانية تترك فلذة كبدك التي هي ابنتك مائدة سبيلاً تتمتع بجمالها كلُّ عين فاجرة غدراً وخيانة ومكراً وظلماً لذلك الجمال الذي يُستغلّ مجاناً في إرضاء الشيطان و تقليد كفرة الإفرنج تقليداً أعمى مع إضاعة الشرف و الفضيلة و العفاف !؟ .

و الفاجر قد يتمتع بالنظر إلى جمال المرأة وربما بلغت به لذة النظر إلى حد بعيد .
ألا ترون قول بعضهم في محبة النظر الحرام :

قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة … ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم

مع أن فلذة كبدك التي هي ابنتك لو ربيتها تربية إسلامية في حنان و صيانة و محافظة على الشرف و الفضيلة لكانت هي جوهرة الدنيا و أنفس شيء موجود فيها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )) [1] .

ولا تكون صالحة إلا بالتربية الدينية .

ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب و نضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة و أنجح طريق إلى انتشار الفاحشة وفشو الرذيلة بين الجنسين .

ولا شك أنهما بحكم كونه زميلها و هي زميلته في الدراسة أنهما يخلوان كما يخلو الزميل بزميله في منتزهات ومواضع السباحة في الماء ومواضع مراجعة الدروس ، وخلوه بها طريق إلى ارتكاب ما لا ينبغي لا ينكرها إلا مكابر ، و السبيل الموصلة إلى ذلك سبيل سيئة كما قال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [ الإسراء / 32 ] فصرّح بأنه فاحشة وأن سبيله سيئة .

و الفاحشة هي : الخصلة التي بلغت غاية القبح و السوء ، و كل شيء بلغ النهاية في شيء فهو فاحش فيه ، ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته :

أرى الموت يَعتام الكرام َ ويصطفي … عقيلةَ مال الفاحش المتشدِّد

فقوله ” الفاحش ” أي البالغ غاية البخل .

وتأملوا لم قال تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } ولم يقل : ولا تزنوا ؛ لأن النهي عن القرب منه يستلزم التباعد من جميع الوسائل التي توصل إليه ، ولأن من قرب من الشيء كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه .

فما أجمل تعاليم القرآن و آدابه السماوية ، وما أحسن ما تدعو إليه من النزاهة و الفضيلة و التباعد عن الرذائل …

… وبعد هذا كله فإنا نُهِيب بالآباء الكرام المسلمين العرب فنقول :

أين شهامتكم العربية العريقة المتوارثة على مر العصور ؟! كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات مبذولات لمن شاء أن يتمتع بالنظر إليهن مجاناً عدواناً على المسكينات الجاهلات و على الشرف و الفضيلة ؟! …

… فليكن في كريم علمكم أن الزي الذي ترتديه بنات العرب و غيرهن من المسلمين في الجامعات و غيرها المقتضي كشف شيء من بدن المرأة لا يحل كشفه شرعاً ولا مروءة ، أن منشأه الأساسي هو ما يُفهم من القرآن العظيم و التاريخ ، و إيضاح ذلك :
أن الشيطان هو العدو الألد لآدم وزوجه وذريتهما كما قال تعالى : { إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ } الآية [ طه / 117 ]
و قال تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ فاطر / 6 ]
وقال تعالى : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [ الكهف / 50 ] إلى غير ذلك من الآيات ،
ومعلوم أن الشيطان لشدة عداوته لآدم و زوجه وذريته أنه يسعى بكل ما لديه من الوسائل في إهانتهم بأنواع الإهانات الدنيوية و الأخروية ، ومن المعلوم أن من أعظم الإهانات الأدبية كشف عورة الإنسان ونزع ثيابه التي تستره عنه ، وهذه الإهانة الأدبية العظيمة هي أول إهانة ظفر بها إبليس فأهان الله بها بها آدم وحواء ، كما صرح الله بذلك في قوله : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا } [ الأعراف /20 ] .
وقوله : { فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } [ الأعراف / 22 ] ، وكونهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يدل على عملهما وكدحهما ليُخَفِّفا من ضرر الإهانة التي تسبب لهما منها عدوهما إبليس .

وقد نادى الله – عز وجل – بني آدم نداءً سماوياً ونهاهم عن أن يغشم الشيطان ويهينهم كما أهان أبويهم آدم وحواء ، وذكر من ذلك أمرين :

أحدهما : الإخراج من الجنة .

و الثاني : نزع اللباس و إبداء السوأة التي هي العورة ، فجعل نزع اللباس و إبداء العورة مقروناً بالإخراج من الجنة ، وفي ذلك دليل على أن كليهما له وقع شديد ، و أنه أذية بالغة و إهانة عظيمة وذلك في قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا } الآية [ الأعراف / 27 ] وبهذا تعرفون أن كشف العورة و إبداء السوأة مقصد أصيل عريق
من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي ، و إهانة كرامتهم تسره و تقر عينه لعداوته لهم .

و لم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة و إبداء السوأة حتى بلغ غايته من ذلك ، وقد كان حَمَل العرب في الجاهلية على أن يخلعوا جميع ثيابهم عند الطواف بالبيت الحرام حتى يهينهم بكشف العورة في حرام الله و أشرف بقاع أرضه حول أول بيت وضع للناس فيطوفوا عراة في حالة مزرية ، وكانت المرأة منهم تطوف بالبيت عارية و العياذ بالله وكل ذلك من إهانة الشيطان لهم ، وقد ثبت في صحيح مسلم [2] من حديث ابن عباس أن المرأة في الجاهلية كانت تطوف عارية وتقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله … وما بدا منه فلا أحله

وكل ذلك إهانة من الشيطان لأعدائه  الآدميين بكشف عوراتهم ، وله مع ذلك مقصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة .

ولم يزل الشيطان يهين الآدميين بكشف العورة حتى في حال الطواف بالبيت ، حتى دفع الله باطله بالوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم و أرسل صلى الله عليه وسلم مناديه ينادي : ألَّا يحج بعد اليوم مشرك و لا يطوف بالبيت عريان [3] ، و أنزل الله قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الآية [ الأعراف / 31] وقوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } الآية [ الأعراف / 26 ]
و بنور ذلك الوحي سُتِرت العورات و لُبِست ثياب الزينة و التستر ، و رجع الشيطان خاسئاً ، ولكن لما طال الزمان و ضعف الدين و انصرف أكثر الناس عن الوحي السماوي وجد الشيطان الفرصة سانحة فأعادَ الكرَّة لإهانة الجنس الآدمي بكشف العورة و إبداء السوأة بفلسفة شيطانية من شعاراتها التقدم و الحضارة و الرقي و التمدن . و قد وصل إلى جميع غاياته في البلاد الكافرة ، فترك نساءها عاريات الفروج بالمجلات و الجرائد و مواضع السباحة في الماء و غير ذلك ، والإباحية فيها قائمة على قدم وساق ، و أولاد الزنا لا يمكن إحصاؤهم إحصاءاً دقيقاً لكثرتهم و العياذ بالله ، وهذا أمر معلوم مفروغ منه في أوروبا وما جرى مجراها .

ثم إن الشيطان أراد أن يهين المسلمين بنفس الإهانة المذكورة التي هي أول نكاية أوقعها بآدم وحواء ، وقد وصل إلى كشف كثير من أبدان نساء المسلمين في الجامعات و الحفلات و الطرق وغير ذلك ، وبينت العورة المغلظة ، و الشيطان مُجِدٌّ في الوصول إلى إبدائها و كشفها من نساء المسلمين . ومعلوم أنه إن تمادى الأمر على ما هو عليه أنه سيصل إلى ذلك كما تشير إليه طبيعة التقاليد المتبعة .

نرجو الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته و يبصِّر المسلمين طريق الحق و يلهمهم العمل بها حتى يحافظوا على بناتهم من كل ما يخل بالشرف و الفضيلة على ضوء النور السماوي الذي أنزله الله على سيد خلقه صلى الله عليه وسلم “.

 [ الإمام محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - (  ” فتوى في تحريم التعليم المختلط ” ضمن مجموع فيه بعض فتاويه و محاضراته مضمن في آثار العلامة محمد الأمين الشنقيطي صفحة 159  و من 166 إلى 169 ) ]

---------------------------------------------------------------------


حكم جماع المرأَة بَعدَ العقدِ و قَبلَ الزِّفَاف

حكم جماع المرأَة بَعدَ العقدِ و قَبلَ الزِّفَاف 

للـعــلّامــة 
محــمّّد بنُِ صِالِــح العُثــيمين-رحِــمُه الله- 

 السُّـــــؤَالُ :

ما حكم جماع المرأَة بَعدَ العقدِ و قَبلَ الزِّفَاف ؟

 الجَــــوَابُ :


اذاَ كانَ اتصالُهُ بِها قبلَ الدخول و بعْدَ العقد يَعني قبَل إجرَاء حفل الزَّوَاج و لكنَّهُ بعدَ العقد فَهذَا لا بأسَ بِه ﻻنَّها زوجتهُ حيث عقدَ عليها و إنْ كانت مخطوبة يعنِي قبل العقد فإِنَّ هَذا حرامٌ عليه وهو زِنى ﻻنها اجنبية منه حتي يتم عليها العقد و في هذهِ الحَال يجب عليهم جميعا أنْ يتوبَا الى الله فإِذا تَابَا الى الله و رجَعَا عمَّا فعَلاَ حلَّت له و لكن في هذه الحال لو تزوجهَا يجب أَنْ يستبرئها بحَيضةٍ بمعنى انْ لا يُجَامِعهَا حتى تحيض ﻻنّه يُحتَملُ انَّها تحمل من الجماع اﻻول السَّابق على عقد النِّكاح و هذا الولدُ الذي جاءَ من الجماع اﻻول السّابق على عقد النّكاح يُعتَبر زِنى ولد زنى لا يلحق وَالدهُ ﻻنه ليس على عقد شرعي اللهم الا أنْ يكون لهذا الواطِئ او لهذا الرجل شبهَة و يعتقد انه وطَئها على وجه حلاَل فإنه يكون حينئذٍ مولودٌ من وطئ شبهة و يُنسَبُ الى ابِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــ
حمــل الصـوتيّـة :


ـــــــــــــــــــــــــ