احدث المواضيع

مقالات

وجوب إنكار المنكر، وطريقة إنكار منكرات الأمراء

وجوب إنكار المنكر، وطريقة إنكار منكرات الأمراء



الخطبة الأولى

أما بعد:

فإن من أوجب الواجبات على أهل الإسلام الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أمر الله به أمراً لازماً فقال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وجعله من أعظم أسباب خيرية هذه الأمة فقال تعالى  {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
وجعله من أخص خصال المؤمنين وكريم صفاتهم فقال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
ولعظم الجرم في تركه فقد لعن الأمم التي تركته فقال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
و توعد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة إذا هي تركته بنزول العقوبات العامة المتنوعة فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» رواه الترمذي وحسنه وحسنه الألباني.
فعلى المسلمين جميعاً عامة وخاصة حكاماً ومحكومين أن يقوموا بهذا الواجب كلٌّ على قدر طاقته واستطاعته وكلٌّ على قدر صلاحياته وإمكاناته التي خولت له بالطريقة الشرعية لأن خلاف الشرع في طريقة إنكار المنكر هو في نفسه منكر يجب إنكاره لأنه يضر أكثر مما ينفع ويجر من الشرور أكثر من المنكر الذي يراد إنكاره، وهذه الشعيرة العظيمة إنما شرعت لتكثير الخير وتقليل الشر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب إنكار المنكر فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.
فصاحب السلطة يستعمل قوة سلطته في إنكار المنكر فله التغيير بيده، ومن لا سلطة له على تارك المعروف أو فاعل المنكر فينكر بلسانه وينهى ويعظ ويخوّف ويرغّب ولا يستعمل قوته ويده. ومن كان يخاف ضرراً محققاً بأن يقتل أو يضرب أو يسجن أو يؤذى في ماله أو أهله إذا أنكر المنكر فله أن يقتصر على إنكار المنكر بقلبه أي أن يكره المنكر بقلبه ويبغضه.
قال القرطبي في تفسيره : «قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَبِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَبِالْقَلْبِ عَلَى الضُّعَفَاءِ» وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : «فباليد للأمراء والرؤساء ، وشيوخ القبائل ، والهيئة التي أسند إليها ذلك، عليها أن تنكر باليد، بإراقة الخمر، كسر المزمار، تفريق المجتمعين على باطل، أمر الناس بالقوة إلى الصلاة إذا أذن المؤذن أن يقوموا إلى الصلاة، إلى أشباه ذلك. وهكذا صاحب البيت يأمر أولاده وآل بيته ، وينكر عليهم المنكر باليد، وهكذا صاحبة البيت تنكر بيدها إذا رأت المنكر على أهل بيتها ، إذا كان لها السلطان في البيت، بإراقة الخمر إذا وجدته، بكسر آلات اللهو» اهـ
وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يسلك مسلك الرفق والحلم ما أمكنه ذلك فإنه أدعى لقبول نصحه ووعظه وأمره ونهيه قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» متفق عليه واللفظ لمسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإن من أعظم المسائل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي طريقة الإنكار على منكرات الدولة وولاة الأمور والمسؤولين في الدولة لأن عدم الوقوف عند حدود الشرع في هذه القضية يجر على الأمة مالا يخطر لها على بال من الفتن والمصائب والشرور حتى إن الأحداث المفجعة المؤلمة التي انتهت باستشهاد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه إنما كانت بدايتها بمخالفة الشرع في هذا الباب كما قال ابن عُكيم التابعي الكبير : “لا أعين على قتل خليفة بعد عثمان أبداً” ! : فقيل له : وأَعَنْتَ على دمِه؟  قال : “إني أعد ذكر مساوئه عوناً على دمه”. وقال ابن حجر : “إن قتل عثمان كان أشدَّ أسبابه الطعنُ على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم” اهـ
فمنكرات الدولة وولاة الأمور تعالج بمقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ» رواه ابن أبي عاصم في السنة.
وكما قال حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه أسامة بن زيد لما قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ؟ وَاللهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ» متفق عليه.
يعني إني أناصحه سراً ولا أظهر الإنكار عليه لأني لا أحب أن أكون أول من يفتح باب الفتن بالمجاهرة بالإنكار على الأمراء.
وبهذا أوصى أئمة الإسلام قديماً وحديثاً منهم شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب والشوكاني وابن سعدي وابن باز وابن عثيمين وغيرهم ممن لا يمكن حصرهم ويطول المقام بذكر نصوص كلامهم رحمهم الله.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإنكار العلني عليهم عبر المنابر ومجامع الناس ووسائل الإعلام المختلفة فهذا شأن الخوارج والمعتزلة وشأن الراغبين في الفتن وشأن مَنْ جهل منهج أهل السنة في هذا الباب
وإن عاقبةَ منهجهم في إظهارهم الذم والطعن في ولاة الأمر أو أمرائهم أو وزرائهم أو أجهزتهم الحكومية هي إيغار صدور الرعية على ولاة أمرهم وإضعاف اجتماعهم عليهم وولائهم لهم بالسمع والطاعة مع ما يصحب هذا الإنكار العلني من استغلال الدول والتنظيمات والأحزاب والجماعات التي تترصد بنا شراً لهذه الأحداث ببذل المزيد من الجهود في إيقاد نار الفتنة.
فاتقوا عباد الله والزموا جماعة المسلمين وطاعة ولي الأمر والاهتداء بفتاوى كبار علمائنا المبنية على الكتاب والسنة. ولا تغرنكم أساليب التهييج والإثارة فلو كانت خيراً وصلاحاً لدل عليها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولرأينا كبار علماء السنة وأئمتها يوصون بها ويسابقون غيرهم إليها.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من الشرور والفتن والاختلاف إنه سميع مجيب الدعاء.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين.. الخ.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق