احدث المواضيع

مقالات

من صفات المؤمنبن ( و لا يشهدون الزور )

قال الله تعالى : 
( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا )
الفرقان (72)


--------------------------------------------------------------------------------

قال ابن كثير في تفسيره 

 وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ الْكَذِبُ والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد ابن الحنفية: هو اللغو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس وابن سِيرِينَ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ.. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، هِيَ مَجَالِسُ السُّوءِ وَالْخَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: شُرْبُ الْخَمْرِ لَا يَحْضُرُونَهُ وَلَا يَرْغَبُونَ فِيهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» .

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أَيْ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَهِيَ الكذب متعمدا على غيره، كما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «إلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَقَالَ «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ «1» . وَالْأَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أَيْ لَا يَحْضُرُونَهُ، ولهذا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً أَيْ لَا يَحْضُرُونَ الزُّورَ، وَإِذَا اتَّفَقَ مُرُورُهُمْ بِهِ مَرُّوا وَلَمْ يَتَدَنَّسُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلِهَذَا قَالَ مَرُّوا كِراماً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو الحسن الْعِجْلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ بِلَهْوٍ معروضا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَمْسَى كَرِيمًا» وَحَدَّثَنَا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي، ثنا حبان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن مسلم، أخبرني مَيْسَرَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ بِلَهْوٍ مُعْرِضًا فَلَمْ يَقِفْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَمْسَى كَرِيمًا» . ثُمَّ تَلَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ ميسرة وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.

ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــ


قال الطبري في تفسيره
 
اختلف أهل التأويل في معنى الزور الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم لا يشهدونه, فقال بعضهم: معناه الشرك بالله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا سفيان, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال: الشرك.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال: هؤلاء المهاجرون, قال: والزور قولهم لآلهتهم, وتعظيمهم إياها.

وقال آخرون: بل عني به الغناء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن عبد الأعلى المحاربيّ قال: ثنا محمد بن مروان, عن ليث, عن مجاهد في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال: لا يسمعون الغناء.

وقال آخرون: هو قول الكذب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال: الكذب.

قال أبو جعفر:

 وأصل الزور تحسين الشيء, ووصفه بخلاف صفته, حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه, أنه خلاف ما هو به, والشرك قد يدخل في ذلك, لأنه محسَّن لأهله, حتى قد ظنوا أنه حق, وهو باطل, ويدخل فيه الغناء, لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت, حتى يستحلي سامعه سماعه, والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه, حتى يظنّ صاحبه أنه حق, فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور.

فإذا كان ذلك كذلك, فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال: والذين لا يشهدون شيئا من الباطل لا شركا, ولا غناء, ولا كذبا ولا غيره, وكلّ ما لزمه اسم الزور, لأن الله عمّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور, فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها, من خبر أو عقل.

وقوله: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) اختلف أهل التأويل في معنى اللغو الذي ذُكر في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناه: ما كان المشركون يقولونه للمؤمنين, ويكلمونهم به من الأذى. ومرورهم به كراما إعراضهم عنهم وصفحهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: صفحوا.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: إذا أوذوا مرّوا كراما, قال: صفحوا.

وقال آخرون: بل معناه: وإذا مرّوا بذكر النكاح, كفوا عنه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا العوام بن حوشب, عن مجاهد ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: إذا ذكروا النكاح كفوا عنه.

حدثني الحارث, قال: ثنا الأشيب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا العوّام بن حوشب, عن مجاهد، ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كفوا عنه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, عن أبي مخزوم, عن سيار ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) إذا مرّوا بالرفث كفُّوا.

وقال آخرون: إذا مرّوا بما كان المشركون فيه من الباطل مرّوا منكرين له.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: هؤلاء المهاجرون, واللغو ما كانوا فيه من الباطل, يعني المشركين وقرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ

وقال آخرون: عُني باللغو هاهنا: المعاصي كلها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله: ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) قال: اللغو كله: المعاصي.

قال أبو جعفر: 

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي, أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المؤمنين الذين مدحهم بأنهم إذا مروا باللغو مرّوا كراما, واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل, أو ما يستقبح فسبّ الإنسان الإنسان بالباطل الذي لا حقيقة له من اللغو. وذكر النكاح بصريح اسمه مما يُستقبح في بعض الأماكن, فهو من اللغو, وكذلك تعظيم المشركين آلهتهم من الباطل الذي لا حقيقة لما عظموه على نحو ما عظموه, وسماع الغناء مما هو مستقبح في أهل الدين, فكل ذلك يدخل في معنى اللغو, فلا وجه إذ كان كل ذلك يلزمه اسم اللغو, أن يقال: عُني به بعض ذلك دون بعض, إذ لم يكن لخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام: وإذا مرّوا بالباطل فسمعوه أو رأوه, مرّوا كراما، مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه, وذلك كالغناء. وفي بعض ذلك بأن يعرضوا عنه ويصفحوا, وذلك إذا أو ذوا بإسماع القبيح من القول، وفي بعضه بأن يَنْهَوْا عن ذلك, وذلك بأن يروا من المنكر ما يغير بالقول فيغيروه بالقول. وفي بعضه بأن يضاربوا عليه بالسيوف, وذلك بأن يروا قوما يقطعون الطريق على قوم, فيستصرخهم المراد ذلك منهم, فيصرخونهم, وكلّ ذلك مرورهم كراما.

وقد حدثني ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا محمد بن مسلم, عن إبراهيم بن ميسرة, قال: مرّ ابن مسعود بلهو مسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنْ أصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَكَرِيما ".

وقيل: إن هذه الآية مكية.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, قال: سمعت السديّ يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) قال: هي مكية, وإنما عني السديّ بقوله هذا إن شاء الله, أن الله نسخ ذلك بأمره المؤمنين بقتال المشركين بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وأمرهم إذا مرّوا باللَّغو الذي هو شرك, أن يُقاتلوا أمراءه, وإذا مرّوا باللغو, الذي هو معصية لله أن يغيروه, ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة, وهذا القول نظير تأويلنا الذي تأولناه في ذلك.
 

ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــ



 قال القرطبي في تفسيره

قلت : من الغناء ما ينتهي سماعه إلى التحريم ، وذلك كالأشعار التي توصف فيها الصور المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ويخرجها عن الاعتدال ، أو يثير كامنا من حب اللهو ; مثل قول بعضهم :

ذهبي اللون تحسب من وجنتيه النار تقتدح خوفوني من فضيحته

ليته وافى وأفتضح

لا سيما إذا اقترن بذلك شبابات وطارات مثل ما يفعل اليوم في هذه الأزمان ، على ما بيناه في غير هذا الموضع . وأما من قال إنه شهادة الزور وهي .

الثانية : فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ، ويسخم وجهه ، ويحلق رأسه ، ويطوف به في السوق . وقال أكثر أهل العلم : ولا تقبل له شهادة أبدا وإن تاب وحسنت حاله فأمره إلى الله . وقد قيل : إنه إذا كان غير مبرز فحسنت حاله قبلت شهادته حسبما تقدم بيانه في سورة ( الحج ) فتأمله هناك .

وإذا مروا باللغو مروا كراما وقد تقدم الكلام في اللغو ، وهو كل سقط من قول أو فعل ، فيدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك مما قاربه ، ويدخل فيه سفه المشركين وأذاهم المؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر . وقال مجاهد : إذا أوذوا صفحوا . وروي عنه : إذا ذكر النكاح كنوا عنه . وقال الحسن : اللغو المعاصي كلها . وهذا جامع . و ( كراما ) معناه معرضين منكرين لا يرضونه ، ولا يمالئون عليه ، ولا يجالسون أهله . أي مروا مر الكرام الذين لا يدخلون في الباطل . يقال تكرم فلان عما يشينه ، أي تنزه وأكرم نفسه عنه . وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع وذهب ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد أصبح ابن أم عبد كريما . وقيل : من المرور باللغو كريما أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .



ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــ


قال السعدي في تفسيره

{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه.

وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية، { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم { مَرُّوا كِرَامًا } أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه.

وفي قوله: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.



ــــــ ❁ ❁ــــــ❁ ❁ ــــــ


قال ابن القيم رحمه الله : 

وتأمل كيف قال سبحانه ( لا يشهدون الزور ) ولم يقل بالزور ، لأن ( يشهدون ) بمعنى : يحضرون ، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور فكيف بالتكلم به وفعله ؟


والغناء من أعظم الزور. والزور : يقال على الكلام الباطل ، وعلى العمل الباطل ، وعلى العين نفسها، كما في حديث معاوية رضي الله عنه لما أخد قصة من شعر يوصل به، فقال: "هذا الزور" فالزور: القول، والفعل، والمحل.
وأصل اللفظة من الميل، ومنه الزور بالفتح، ومنه: زرت فلانا، إذا ملت إليه، وعدلت إليه، فالزور: ميل عن الحق الثابت إلى الباطل الذى لا حقيقة له قولاً وفعلاً.

 
من كتاب اغاثة اللهفان
الصفحة ٢٢١

-------------------------------------------------


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق