احدث المواضيع

مقالات

تفســير سورة العصر / الشَّــيخ العلّامــة:محــمّّد بنُِ صِالِــح العُثــيمين-رحِــمُه الله-

تفسير سورة العصر
الشَّــيخ العلّامــة/ محــمّّد بنُِ صِالِــح العُثــيمين-رحِــمُه الله- 
  •┈┈┈┈•✿❁✿•┈┈┈┈•
 
السؤال:
شكر الله لكم، أيضاً يقول: ما تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾؟
الجواب:
" تفسيرها أن الله عز وجل يقسم بالعصر الذي هو الدهر، لأن الدهر زمن الحوادث والوقائع المختلفة، من ثم أقسم الله به، أقسم على أن الإنسان في خسر، والإنسان هنا يراد به الجنس، فكل إنسان في خسر، لا يستفيد من حياته شيئاً، ولا من عصره شيئاً، إلا من جمعوا هذه الأوصاف الأربعة، ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾
﴿وعملوا﴾، أي: صدقوا بما يجب التصديق به مع القبول والإذعان، فالإيمان الشرعي ليس هو مجرد تصديق، بل هو تصديق خاص مستلزم للقبول والإذعان، ﴿وعملوا الصالحات﴾، يعني: عملوا الأعمال الصالحة، وهي ما استجمع فيها شرطان: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن اختل أحد الشرطين، لم تكن من الأعمال الصالحة، لو أن الإنسان عمل عملاًَ موافقاً للسنة تماماً، وعمل لكنه لم ينوِ بذلك وجه الله، بل عمل ذلك رياءً وسمعةً، فإن عمله لا يقبل، ولا يسمى صالحاً، ففي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه». ومن أخلص لله عز وجل ولم يبتغِ سوى وجه الله، لكنه لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يكون بأمرين: إما بعدم فعل ما يشرع فعله، إما أن يكون فواتاً مبطلاً للعبادة، وإما بابتداع شيء في دين الله لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم، مثال الأول: لو أن رجلاً صلى الظهر، ولكنه تعمد ترك التشهد الأول، فإننا نقول: إن هذا العمل باطل، لأنه لم يتبع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ترك التشهد الأول عن عمد، وكذلك لو صلى الظهر، وترك سجدة من السجدات، أو ركوعاً من الركعات، فإنه لا يكون عمله صحيحاً، لأنه لم يكن متابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولو ابتدع في دين الله ما ليس منه، كما لو أحدث تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات، أو تحميدات، على وجه معين لم ترد به الشريعة، أو أحدث صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم على وجه معين لم ترد به الشريعة، كان عمله غير صالح، ولا مقبول، لأنه لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في عمله، والعبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا إذا كانت موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها، فإن اجتمعت في العبادة هذه الأوصاف، أو إذا تحققت الموافقة للشريعة في هذه الأمور الستة تحققت المتابعة، وإن اختل واحد منها، لم تتحقق المتابعة، إذن، فمعنى قوله تعالى: ﴿وعملوا الصالحات﴾ أي: عملوا الأعمال الصالحة التي تحقق فيها شرطان، وهما الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: ﴿وتواصوا بالحق﴾ أي: صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق، والحق هو ضد الباطل، فكل ما خالف الشرع فهو باطل، وكل ما وافق الشرع، فهو حق، والحق هنا يشمل التواصي بفعل المعروف، والتواصي بترك المنكر، أي: إن الحق فعل المعروف، وترك المنكر، فيتواصون بفعل المعروف، وبترك المنكرات،
﴿وتواصوا بالصبر﴾ الصبر هو حبس النفس وتحميلها، وهو أن كل إنسان يعمل أو يدعو إلى الله عز وجل فلا بد أن يواجه شيئاً قد يثني عزمه، فليصبر، فهم يتواصون بالصبر، يوصي بعضهم بعضاً على أن يصبر على الإيمان، وعلى العمل الصالح، وعلى التواصي بالحق، وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر في عدة مواضع من القرن، مثل: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ومثل قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ومثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وذكر أهل العلم أن الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة. وأعلاها الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، فالصبر على طاعة الله هو حبس النفس على قبول أمر الله ورسوله، وعلى تنفيذ أمر الله ورسوله، وفيه أمران، وهو حبس النفس على قبول ذلك، ثم التنفيذ، إما الصبر عن مشيئة الله، فهو حبس النفس عن فعل المعصية، وليس فيه إلا شيء واحد، وهو حبس النفس عن المعصية، ولهذا كان الأول أكمل منه. أما الثالث، فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة، فإن الإنسان في هذه الدنيا بين الضراء والسراء، وبين الخوف والأمن، وبين الفقر والغنى، وبين الصحة والمرض، ويحتاج إلى صبر على ذلك، والصبر هذا هو أقل الأنواع شأنا، لأن الصبر هذا لا يفعل الإنسان فيه المصبور عليه باختياره، وإنما يقع عليه بغير إرادته، وهو كما قال بعض السلف: إما أن يصبر صبر الكرام، وإما أن يسلوا سلو البهائم، بخلاف القسمين الأولين، فإنهما يستعين فيهما نوعاً من الاختيار، إذ إن الإنسان لو شاء لكف عن الشيئ، ولو شاء لم يكف، ولو شاء لفعل الشيء، ولو شاء لم يفعله، بخلاف أقدار الله عز وجل، فإنها تأتي للإنسان، وتصيبه بغير اختياره، ولهذا كان هذا النوع أقل شأناً، أو كان هذا القسم أقل شأناً من القسمين السابقين "

المصدر: [سلسلة فتاوى نور على الدرب > الشريط رقم (135)]