احدث المواضيع

مقالات

سلسلة: "ملح ونوادر" ((أبو حنيفة والإسكاف))





←الحلقة التاسعة عشرة→




● ((أبو حنيفة والإسكاف))


كان لأبي حنيفة -رحمه الله- جارٌ إسكافٌ بالكوفة، يعمل نهارَه أجمع، فإذا أجنَّه الليلُ رجع إلى منزله بالخمر ولحمٍ أو سمكٍ، فيطبخ اللحمَ أو يشوي السمك، حتَّى إذا دبَّ الشرابُ فيه رفع عقيرتَه ينشد:

أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا ** لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ


فلا يزال يشرب ويردِّد هذا البيتَ حتى يغلبه النوم.


وكان أبو حنيفة -رحمه الله- يصلِّي الليلَ ويسمع جَلَبَتَه وإنشادَه، ففقد صوتَه لياليَ، فسأل عنه فقيل له: أخذه العسس منذ ثلاث ليالٍ، وهو محبوسٌ، فصلَّى الفجرَ وركب بغلتَه، ومشى فاستأذن على الأمير، فقال: «ائذنوا له، وأقبِلوا به راكِبًا، ولا تَدَعُوه ينزل حتى يطأ البساطَ»، فَفُعِلَ به ذلك، فوسَّع له الأميرُ مجلِسَه، وقال له: «ما حاجتك؟» فقال: «لي جارٌ إسكافٌ أخذه العسس منذ ثلاث ليالٍ، فتأمر بتخليته»، فقال: «نعم، وكلُّ من أُخِذ تلك الليلةَ إلى يومنا هذا»، ثمَّ أمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة وتبعه جارُه الإسكاف، فلمَّا أوصله دارَه، قال أبو حنيفة: «أتُرانا يا فتى أضعناك؟» قال: «لا، بل حفظتَ ورعيت، جزاك الله خيرًا عن صحبة الجوار ورعاية الحقِّ، وللهِ عليَّ ألَّا أشرب الخمر أبدًا»، ولم يَعُدْ إلى ما كان عليه.




  [«شرح مقامات الحريري» (3/ 31)]




انتهى.




  النقل من الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن علي فركوس -حفظه الله تعالى